الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

16 سنة من الدراسة... هذا ما سأقوله

تمر الأيام والأشهر والسنين... والمرء يحمل بين يديه حقيبته المدرسية.. متنقلا بين الأقسام، ومتجاوزا المراحل الدراسية، ومسافرا عبر محطاته الابتدائية والاكمالية والثانوية، وأخيرا الجامعية.. كل ذلك متعلما على أيادٍ أمينة، ومكوَّنا من طرف المعلمين والأساتذة.
أتذكر ذلك اليوم جيدا حين بدأت دراستي الابتدائية سنة 1993، واللحظة التي دخلت فيها إلى القسم بطريقتها وكيفيتها فقد رافقني أبي بصحبة أخي الصغير- حفظهما الله - إلى المدرسة بعد أن اعتنت بي أمي - حفظها الله - جيدا، وألبستني الجديد، ودعت لي بعمر مديد في المنزل الجديد (القسم)، دخلت القسم ويد أبي تودعني وابتسامته تسيطر على وجهه.. أما أخي الصغير فقد كان يبكي، ولا أعلم لماذا.. أيحب أن يدرس هو أيضا؟ أم أنه بدأ بالاحساس بالغربة في المنزل! هكذا إذن مر اليوم الأول من الدراسة..
واليوم وبعد 16 سنة من ذلك اليوم أجد نفسي وقد كبرت عقلا وبدنا، وأجد زملاء الدراسة في ذلك اليوم كل واحد وميدانه في الحياة، وكم فرقتنا السنين الطوال وتجرأ بيننا الانفصال.. وعادة ما تنسى أن ذلك الفرد موجود أصلا في هذه الدنيا، وأن هذا كان يدرس معك في يوم من الأيام.
لا أريد من مقالي هذا أن أعرض عليك أيها القارئ العزيز مذكراتي أو سيرتي.. لكني أريد أن أنبه إلى المحاور في هذه المراحل.. فكما نعرف أن المحور إذا ضاع وتكسر فلن تمشي العجلة، ولن يسير حيز يعتمد عليه، فالمحور الذي سأتحدث به هو المعلم.. وأي معلم في زماننا هذا حيث أصبح آخرَ شخص يفكر فيه المسؤول لأنه مزعج ولا يدر الدولة بالأموال!!1 على خلاف اللاعب في كرة القدم، أو شهب الغناء والعفن2 الذين سلبوا عقول كل قلب ضعيف.. لأنه - على حسب المسؤول - يدر الأموال للدولة، ويجلب إليها السياحة، ويضمن المستقبل الزاهر للشباب، والأغرب من ذلك يقال لنا أنه يساهم في تطوير البلاد وبكل غباء ووقاحة!! "ولاأدرِ أهو الغباء بعينه؟ أم هو طمس علني لعقول الشباب؟، وقِس ذلك على باقي النواحي في المجتمع، فوزير الصحة أصبح يدخن!.. ووزير الداخلية أصبح أستاذا للغة العربية!3، ووزيرة الثقافة أصبحت علامات استفهام وعلامات تعجب!4، ووزير التربية أصبح فقيها ومتكمنا في ترشيد أولادنا..5
وأتأسف وأتألم من كل ذلك.. والمعلم أصبح سجينا مع المجرمين لأنه صرخ في وجه ابن "معلم" بتسكين الميمين الأولى والأخيرة.
وأتأسف وأتألم من كل ذلك.. والمعلم أصبح مخيرا بين الإضراب والاحتجاج والطرد من التعليم وبين مواصلة مهنته الشريفة رأفة بتلامذته.
وأتأسف وأتألم من كل ذلك.. والمعلم أصبح سجينا في قسمه على يد بعض المتمردين، والكبار على السن القانوني للدراسة، لأنهم أعادوا السنين الطوال وبقوا في قسم واحد أجيالا وأجيالا.
كتبت المقال وأنا أتصفح أرشيف بريدي الالكتروني والرسائل المتبادلة مع الأساتذة وكم كانت دهشتي كبيرة، والرسائل تبعد عني آلام التفكير وفقدان الأمل، وتفتح لي أبوابا كنت قد أغلقتها على نفسي.. وزادتني حماسا منقطع النظير بعد أن كان المؤشر ينبهني بأن الحماس بدأ بالنقص فعلا..
ولم أجد إلا أن أعلن الحرب على كل من يحتقر الأستاذ والمعلم، وعزمت أن أوجه تفكيري إلى الاتنظار الإيجابي ولا أشغل نفسي بالانتظار السلبي، وأن أرسل إليه هذه الكلمات..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على من اتبع الهدى... السلام على من أنار دربي وكافح من أجلي.. معلمي ومهذبي....
لا أدرِ كيف أشكرك، فقد ضاعت الكلمات التي تعبر عن قدسية المعلم لدى نفس الطالب تلك القدسية التي تكون بعد مرتبة الأنبياء والمرسلين.
معلمي، لا أدر كيف أشكرك، مخافة التقصير في حقك الذي بات مهضوما وللأسف....
معلمي، تعبت من أجلنا سنة كاملة مليئة بالصعوبات والمخاطر، أما أنا فقد كتبت لك هذه الأسطر التي لا تسمن ولا تغني من تعبك هذا.
معلمي، مهما قلت فيك كلام العز والفخر والامتنان، وكتبت من أجلك سطور التقدير والعرفان، ودعوت الله أن يجعلك في زمرة الصالحين الأخيار... أكيد أنني لن أوفِّ حقك الكامل واللازم تِجاهك.. لأنك بناء للعقول ومهذب للنفوس، ومنشط للقلوب على حب العلم.. والجهاد من أجل مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا ووطننا العزيز.
كان الله لك عونا في مسيرتك المهنية
-----------------------------------------
1- طبعا عندنا.. وليس عندهم.
2- أقصد نجوم الغناء والفن!!.
3- ترقبوا اجتماعاته وسترون.
4- وما أكثر الحفلات، وما أكثر الفساد باسم الثقافة.
5- فالإصلاح التربوي، قد مكن لأولادنا أن يدرسوا أمور الكبار وهم في سنتهم الأولى من الدراسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق